” نادلة في الجبل الأصفر “


يصادف شهر مارس وهو مايسميه البعض شهر المرأة والبعض يسميه بشهر الأم نسبة ليوم الأم ، واستذكرت موقف لايمكن أن أنساه وسيبقى في ذاكرتي لايمحيه شيء ..

في رحلة خاصة وجميلة الى اسبانيا مع الأصدقاء نظمها أحدهم وهو استاذ “تاريخ” في الجامعة وقد وضع برنامج سياحي ثقافي يحكي تاريخ بلاد الأندلس وكانت احد الزيارات لمدينة أشبيلية وتحديداً لقصر المعتمد بن عباد وشرح لنا مشكوراً عن الحاكم انذاك الذي اشتهر بتغيير اسمه من المؤيد الى المعتمد تعبيرا عن حبه لمعشوقته الجارية ” إعتماد ” وقصة اهداؤه لها حوض الطين الى النهاية القاسية بالسجن معها والخ …

وبعد انتهاء زيارتنا الممتعة للقصر ذهبنا الى حانة تبيع المشروبات الساخنة والمثلجات وكنا في حديث ساخن جدا عن اسباب تراجع الأمة العربية والإسلامية وكيف كنا والى اين وصل بنا الحال ، وحينها استرسلت بالحديث واختلافي مع الآراء التي قالها صديقي الأكاديمي بشدة متعذراً بأسباب ثانوية وقلت حينها وانا ألتفت يمينا وشمالا حريصا بأن لايكون هناك احد من الجالية العربية لأكمل حديثي بكل تجرد عن الأسباب وأولها هو تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتبذير المال العام و اهمال الأولويات وكثيراً من الظلم وتحدثت عن كيف كان الغرب ينزح الى الدول العربية والآن العكس والمأساة التي يعيشها اللاجئين والمغتربين وحين انتهى النقاش الجميل وكالعادة كنت آخر المغادرين من الطاولة وقبل خروجي منها سمعت همسا على أذني باللغة العربية بصوت إمرأة قائلة :
” الله والنبي محييك “
واستغربت انها النادلة الأجنبية في الحانة !

وقلت لها أنتي تتحدثين العربية ؟
قالت : بل أنا عربية ، واطربني ماكنت تتحدث عنه من المأساة التي يعيشها المغتربين واسمح لي ان اقدم لك هذه القهوة مجاناً وقلت لها شاكراً انه رأيي ككاتب فقط ..
قالت : ان كنت كاتباً سأحكي لك “
بعض ” مأساة المرأة المغتربة :
عندما تركت اهلي واصحابي ووطني في ريعان شبابي في الوقت الذي تجد فيه نساء خمسينيات بأحفادهن لازلن لايستطعن العيش بعيداً عن امهاتهن
والا عندما وجدت نفسي بين ليلة وضحاها امام مسؤوليات كبيرة وحياة جديدة وناس غريبة وعادات وتقاليد مختلفة ولهجة مختلفة ، احاول التعايش والتأقلم معهم ..

و عندما مرضت وتعبت لوحدي ذاهبة للمشفى وأجد الجميع مع أمهاتهن واهاليهم واحباؤهم يخففن عنهن وحيدة واحزن في نفسي لاني لا استطيع الاتصال بوالدتي خشية ان لا تقلق علي من المرض ..
والا عندما انهرت مرات عديدة ولكني عدت للوقوف على قدمي ..
قوية عندما شاهدت افراح واحزان عائلتي من وراء شاشة الهاتف فقط ..
والا عندما عشت الخوف الدائم من فقدان عزيز دون ان اراه لدرجة الخوف من الرد على الاتصالات خوف الفاجعة
والا عند كل ركوب للطائرة أتأمل وجه أحبتي وأهلي وفي نفسي اخشى ان يكون آخر لقاء

ياعزيزي كنت أصوم وأفطر في شهر رمضان لوحدي وكنت اشترك الهموم مع نفسي ..

وكنت أتظاهر بالمرأة القوية الخشنة دائماً كي لا تأكلها الذئاب ولوشعروا بضعفها او علموا أنها وحيدة في الغربة بلا أب او سند ..

اعتذر منك استاذي الفاضل ولكن شعرت بأنك قريب مني عندما تعاطفت مع مأساتنا

وقلت لها : تتشرف الأوطان بأمثالك ولو قست علينا الحياة ولازالت النساء بخير ، انتي مناضلة وعفيفة لم تخسري نفسك من أجل ما خسر الكثير من الناس الرخيصة لملذات الحياة حافظتي على المبادئ والقيم النبيلة وانا سعيد جداً بذلك ومتأكد بأننا سنلتقي في بلادنا العربية وتتحقق كل امنياتك وطموحاتك وبكل فخر ..

قالت : سنلتقي في “الجبل الأصفر “
قلت : اين يقع هذا الجبل ؟
ردت ضاحكة بصوت عالي : انها دولة قيد الإنشاء من الأمم المتحدة تجمع النازحين واللاجئين والمغتربين !!!
انها مملكة الجبل الأصفر .

علي توينه
@Alitowainah

الوسوم

مقالات ذات صلة